فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولا يخفى ما فيه من الأنظار، ومثله ما دار على السنة طائفة من المتصوفة من أن حقيقة الواجب المطلق تمسكًا بأنه لا يجوز أن يكون عدمًا أو معدوما وهو ظاهر ولا ماهية موجودة بالوجود أو مع الوجود تعليلًا أو تقييدًا لما في ذلك من الاحتياج والتركيب فتعين أن يكون وجودًا وليس هو الوجود الخاص لأنه إن أخذ مع المطلق فمركب أو مجرد المعروض فمحتاج ضرورة احتياج المقيد إلى المطلق، ومتمسكهم هذا أوهن من بيت العنكبوت، والذي حققته من كتب الشيخ الأكبر قدس سره وكتب أصحابه أن الله سبحانه ليس عبارة عن الوجود المطلق بمعنى الكلي الطبيعي الموجود في الخارج في ضمن أفراده ولا بمعنى أنه معقول في النفس مطابق لكل واحد من جزئياته في الخارج على معنى أن ما في النفس لو وجد في أي شخص من الأشخاص الخارجية لكان ذلك الشخص بعينه من غير تفاوت أصلًا بل بمعنى عدم التقيد بغيره مع كونه موجودًا بذاته، ففي الباب الثاني من الفتوحات أن الحق تعالى موجود بذاته لذاته مطلق الوجود غير مقيد بغيره ولا معلول من شيء ولا علة لشيء بل هو خالق المعلولات والعلل. والملك القدوس الذي لم يزل.
وفي النصوص للصدر القونوي تصور اطلاق الحق يشترط فيه أن يتعقل بمعنى أنه وصف سلبي لا يمعنى أنه اطلاق ضده التقييد بل هو إطلاق عن الوحدة والكثرة المعلومتين وعن الحصر أيضًا في الإطلاق والتقييد وفي الجمع بين كل ذلك والتنزيه عنه فيصح في حقه كل ذلك حال تنزهه عن الجميع.
وذكر بعض الأجلة أن الله تعالى عند السادة الصوفية هو الوجود الخاص الواجب الوجود لذاته القائم بذاته المتعين بذاته الجامع لكل كمال المنزه عن كل نقص المتجلي فيما يشاء من المظاهر مع بقاء التنزيه ثم قال: وهذا ما يقتضيه أيضًا قول الأشعري بأن الوجود عين الذات مع قوله الأخير في كتابه الأبانة بإجراء المتشابهات على ظواهرها مع التنزيه بليس كمثله شيء.
وتحقيق ذلك أنه قد ثبت بالبرهان أن الواجب الوجود لذاته موجود فهو إما الوجود المجرد عن الماهية المتعين بذاته أو الوجود المقترن بالماهية المتعين بحسبها أو الماهية المعروضة للوجود المتعين بحسبها أو المجموع المركب من الماهية والوجود المتعين بحسبها لا سبيل إلى الرابع لأن التركيب من لوازمه الاحتياج ولا إلى الثالث لاحتياج الماهية في تحققها الخارجي إلى الوجود ولا إلى الثاني لاحتياج الوجود إلى الماهية في تشخصه بحسبها والاحتياج في الجميع ينافي الوجوب الذاتي فتعين الأول فالواجب سبحانه الموجود لذاته هو الوجود المجرد عن الماهية المتعين بذاته، ثم هو إما أن يكون مطلقًا بالإطلاق الحقيقي وهو الذي لا يقابله تقييد القابل لكل إطلاق وتقييد وإما أن يكون مقيدًا بقيد مخصوص لا سبيل إلى الثاني لأن المركب من القيد ومعروضه من لوازمه الاحتياج المنافي للوجوب الذاتي فتعين الأول فواجب الوجود لذاته هو الوجود المجرد عن الماهية القائم بذاته المتعين بذاته المطلق بالإطلاق الحقيقي، وأهل هذا القول ذهبوا إلى أنه ليس في الخارج إلا وجود واحد وهو الوجود الحقيقي وأنه لا موجود سواه وماهيات الممكنات أمور معدومة متميزة في أنفسها تميزًا ذاتيًّا وهي ثابتة في العلم لم تشم رائحة الوجود ولا تشمه أبدًا لَكِن تظهر أحكامها في الوجود المفاض وهو النور المضاف ويسمى العماء والحق المخلوق به وهؤلاء هم المشهورون بأهل الوحدة، ولعل القول الذي نقلناه عن بعض الحكماء المتألهين يرجع إلى قولهم وهو طور ما وراء طور العقل وقد ضل بسببه أقوام وخرجوا من ربقة الإسلام، وبالجملة إن القول بأن حقيقة الواجب تعالى غير معلومة لأحد علمًا اكتناهيًّا احاطيًّا عقليًّا أو حسيًّا مما لا شبهة عندي في صحته وإليه ذهب المحققون حتى أهل الوحدة، والقول بخلاف ذلك المحكى عن بعض المتكلمين لا ينبغي أن يلتفت إليه أصلًا، ولا أدري هل تمكن معرفة الحقيقة أولا تمكن ولعل القول بعدم إمكانها أوفق بعظمته تعالى شأنه وجل عن إحاطة العقول سلطانه، وأما شهود الواجب بالبصر ففي وقوعه في هذه النشأة خلاف بين أهل السنة وأما في النشأة الآخرة فلا خلاف فيه سوى أن بعض الصوفية قالوا: إنه لا يقع إلا باعتبار مظهر ما وأما باعتبار الإطلاق الحقيقي فلا، وأما شهوده سبحانه بالقلب فقد قيل بوقوعه في هذه النشأة لَكِن على معنى شهود نوره القدسي ويختلف ذلك باختلاف الاستعداد لا على معنى شهود نفس الذات والحقيقة ومن ادعى ذلك فقد اشتبه عليه الأمر فادعى ما ادعى.
هذا ومن الناس من قال: لا مانع من أن يراد من {حَقَّ قَدْرِهِ} حق معرفته ويراد من حق معرفته المعرفة بالَكِنه وكونها غير حاصلة لأحد مؤمنًا كان أو غيره لا يضر فيما نحن فيه لأن المراد إثبات عظمته تعالى المنافية لما عليه المشركون وكونه سبحانه لا يعرف أحد كنه حقيقته يستدعي العظمة على أتم وجه فتأمل جميع ذلك والله تعالى الموفق للصواب.
{إِنَّ الله لَقَوِىٌّ} على جميع الممكنات {عَزِيزٌ} غالب على جميع الأشياء وقد علمت حال آلهتهم المقهورة لأذل العجزة، والجملة في موضع التعليل لما قبلها. اهـ.

.قال القاسمي:

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ} أي: بُيِّنَ: {مَثَلٌ} أي: حال مستغرب: {فَاسْتَمِعُوا لَهُ} أي: تدبروه حق تدبره. فإن الاستماع بلا تدبر وتعقل لا ينفع: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} يعني: الأصنام: {لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} أي: لخلقه متعاونين. وتخصيصه الذباب، لمهانته وضفعه واستقذاره. وهذا من أبلغ ما أنزل في تجهيل المشركين. حيث وصفوا بالإلهية التي تقتضي الاقتدار على المقدورات كلها، والإحاطة بالمعلومات عن آخرها، صورًا وتماثيل، يستحيل منها أن تقدر على أقل ما خلقه الله تعالى وأذله، ولو اجتمعوا لذلك: {وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ} أي: هذا الخلق الأقل الأذل، لو اختطف منهم شيئًا فاجتمعوا على أن يستخلصوه منه، لم يقدروا: {ضَعُفَ الطَّالِبُ} أي: الصنم يطلب ما سلب منه: {وَالْمَطْلُوبُ} أي: الذباب بما سلب. وهذا كالتسوية بينهم وبين الذباب في الضعف. ولو حققت وجدت الطالب أضعف وأضعف. فإن الذباب حيوان وهو جماد. وهو غالب وذلك مغلوب. وجوز أن يراد بالطالب عابد الصنم، وبالمطلوب معبوده. قيل: وهو أنسب بالسياق لأنه لتجهيلهم وتحقير معبوداتهم. فناسب أرادتهم والأصنام من هذا التذييل. واختار الوجه الأول الزمخشري. لما فيه من التهكم، بجعل الصنم طالبًا على الفرض تهكمًا وأنه أضعف من الذباب لأنه مسلوب وجماد، وذلك حيوان بخلافه.
وهذه الجملة التذييلية إخبار أو تعجب. وقوله تعالى: {مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} أي: ما عرفوه حق معرفته، حيث أشركوا به ما لا يمتنع من الذباب ولا ينتصف منه: {إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} أي: قادر وغالب. فكيف يتخذ العاجز المغلوب شبيهًا به. أو لقويّ بنصر أوليائه، عزيز ينتقم من أعدائه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ}.
والخطاب بـ {يا أيها الناس} للمشركين لأنهم المقصود بالردّ والزجر وبقرينة قوله: {إن الذين تدعون} على قراءة الجمهور {تدعون} بتاء الخطاب.
فالمراد بـ {الناس} هنا المشركون على ما هو المصطلح الغالب في القرآن.
ويجوز أن يكون المراد بـ {الناس} جميعَ الناس من مسلمين ومشركين.
وفي افتتاح السورة بـ {يا أيها الناس} وتنهيتها بمثل ذلك شبه بردّ العجز على الصدر.
ومما يزيده حسنًا أن يكون العجز جامعًا لما في الصدر وما بَعده، حتى يكون كالنتيجة للاستدلال والخلاصةِ للخطبة والحَوصلة للدرس.
وضرب المثل: ذِكرهُ وبيانُه؛ استعير الضرب للقول والذكر تشبيهًا بوضع الشيء بشدّة، أي ألقي إليكم مثَل.
وتقدم بيانه عند قوله تعالى: {أن يضرب مثلًا ما} في [سورة البقرة: 26].
وبني فعل {ضُرب} بصيغة النائب فلم يذكر له فاعل بعكس ما في المواضع الأخرى التي صُرّح فيها بفاعل ضَرْب المثل نحو قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلًا ما} في [سورة البقرة: 26] و{ضرب الله مثلًا عبدًا مملوكًا} في [سورة النحل: 75] و{ضرب الله مثلًا رجلًا} في [سورة الزمر: 29] و{ضرب الله مثلًا رجلين} في [سورة النحل: 76].
إذ أسند في تلك المواضع وغيرها ضَرب المثل إلى الله، ونحو قوله: {فلا تضربوا لله الأمثال} في [سورة النحل: 74].
و{ضرب لنا مثلًا ونسي خلقه} في [سورة يس: 78]، إذ أسند الضرب إلى المشركين، لأنّ المقصود هنا نسج التركيب على إيجاز صالح لإفادة احتمالين:
أحدهما: أن يقدّر الفاعل الله تعالى وأن يكون المثَل تشبيهًا تمثيليًّا، أي أوضح الله تمثيلًا يوضح حال الأصنام في فرط العجز عن إيجاد أضعف المخلوقات كما هو مشاهد لكلّ أحد.
والثاني: أن يقدّر الفاعل المشركين ويكون المثَل بمعنى المُماثل، أي جعلوا أصنامهم مُماثلة لله تعالى في الإلهية.
وصيغة الماضي في قوله: {ضُرب} مستعملة في تقريب زَمن الماضي من الحال على الاحتمال الأول، نحو قوله تعالى: {لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافًا} [النساء: 9]، أي لو شارفوا أن يَتركوا، أي بعد الموت.
وجملة {إن الذين تدعون من دون الله} إلى آخرها يجوز أن تكون بيانًا لفعل {ضُرب} على الاحتمال الأول في التقدير، أي بين تمثيل عجيب.
ويجوز أن تكون بيانًا للفظ {مثَل} لما فيها من قوله: {تدعون من دون الله} على الاحتمال الثاني.
وفرع على ذلك المعنى من الإيجاز قوله: {فاستمعوا له} لاسترعاء الأسماع إلى مُفاد هذا المثَل مما يبطل دعوى الشركة لله في الإلهية، أي استمعوا استماع تَدبّر.
فصيغة الأمر في {استمعوا له} مستعملة في التحريض على الاحتمال الأول، وفي التعجيب على الاحتمال الثاني.
وضمير {له} عائد على المثَل على الاحتمال الأول لأنّ المثل على ذلك الوجه من قبيل الألفاظ المسموعة، وعائدٌ على الضّرب المأخوذ من فعل {ضُرب} على الاحتمال الثاني على طريقة {اعدلوا هو أقرب للتقوى} [المائدة: 8]، أي استمعوا للضرب، أي لما يدلّ على الضرب من الألفاظ، فيقدر مُضاف بقرينة {استمعوا} لأن المسموع لا يكون إلاّ ألفاظًا، أي استمعوا لما يدلّ على ضرب المثل المتعجّب منه في حماقة ضاربيه.
واستعملت صيغة الماضي في {ضُرب} مع أنه لمَا يُقَلْ لتقريب زمن الماضي من الحال كقوله: {لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافًا} [النساء: 9]، أي لو قاربوا أن يتركوا، وذلك تنبيه للسامعين بأن يتهيأوا لتلقي هذا المثل، لما هو معروف لدى البلغاء من استشرافهم للأمثال ومواقعها.
والمَثل: شاع في تشبيه حالة بحالة، كما تقدّم في قوله: {مثلهم كمثل الذي استوقد نارًا} في [سورة البقرة: 17]، فالتشبيه في هذه الآية ضمني خفيّ ينبىء عنه قوله: {ولو اجتمعوا له} وقوله: {لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب}.
فشُبهت الأصنام المتعددة المتفرقة في قبائل العرب وفي مكّة بالخصوص بعظماء، أي عند عابديها.
وشبهت هيئتها في العجز بهيئة ناس تعذّر عليهم خلق أضعف المخلوقات، وهو الذباب، بلْهَ المخلوقات العظيمة كالسماوات والأرض.
وقد دلّ إسناد نفي الخلق إليهم على تشبيههم بذوي الأرادة لأنّ نفي الخلق يقتضي محاولة إيجاده، وذلك كقوله تعالى: {أموات غير أحياء} كما تقدم في [سورة النحل: 21].
ولو فرض أن الذباب سلبهم شيئًا لم يستطيعوا أخذه منه، ودليل ذلك مشاهدة عدم تحركهم، فكما عجزت عن إيجاد أضعف الخلق وعن دفع أضعف المخلوقات عنها فكيف تُوسم بالإلهية، ورمز إلى الهيئة المشبه بها بذكر لوازم أركان التشبيه من قوله: {لن يخلقوا} وقوله: {وإن يسلبهم الذباب شيئًا} إلى آخره، لا جرم حصل تشبيه هيئة الأصنام في عجزها بما دون هيئة أضعف المخلوقات فكانت تمثيلية مكنية.
وفسر صاحب الكشاف المثل هنا بالصفة الغريبة تشبيهًا لما ببعض الأمثال السائرة.
وهو تفسير بما لا نظير له ولا استعمال يعضده اقتصادًا منه في الغوص عن المعنى لا ضُعفًا عن استخراج حقيقة المثل فيها وهو جُذَيعُها المحكّك وعُذيقها المرجب ولَكِن أحسبه صادف منه وقت سرعة في التفسير أو شغلًا بأمر خطير، وكم ترك الأول للأخير.
وفرع على التهيئة لتلقي هذا المثل الأمر بالاستماع له وإلقاء الشراشر لوعيه وترقب بيان إجماله توخيًّا للتفطّن لما يتلى بعد.
وجملة {إن الذين تدعون} الخ بيان لـ: {مثل} على كلا الاحتمالين السابقين في معنى {ضرِب مَثل}، فإن المثَل في معنى القول فصحّ بيانه بهذا الكلام.
وأكد إثبات الخبر بحرف توكيد الإثبات وهو إن، وأكد ما فيه من النفي بحرف توكيد النفي لَن لتنزيل المخاطبين منزلة المنكرين لمضمون الخبر، لأنّ جعلهم الأصنام آلهة يقتضي إثباتهم الخلق إليها وقد نفي عنها الخلق في المستقبل لأنه أظهر في إقحام الذين ادعوا لها الإلهية لأنّ نفي أن تخلق في المستقبل يقتضي نفي ذلك في الماضي بالأحرى لأن الذي يفعل شيئًا يكون فعله من بعد أيسر عليه.
وقرأ الجمهور {تَدْعُون} بتاء الخطاب على أن المراد بالنّاس في قوله: {يا أيها الناس} خصوصَ المشركين.
وقرأه يعقوب بياء الغيبة على أن يقصد بـ {يا أيها الناس} جميع الناس وأنّهم عُلِموا بحال فريق منهم وهم أهل الشرك.
والتقدير: إن الذين يدعون هم فريق منكم.
والذّباب: اسم جمععِ ذبابة، وهي حشرة طائرة معروفة، وتجمع على ذِبّان بكسر الذال وتشديد النون ولا يُقال في العربية للواحدة ذِبّانة.
وذكر الذّباب لأنه من أحقر المخلوقات التي فيها الحياة المشاهدة.
وأما ما في الحديث في المصورين قال الله تعالى: «فليخلقوا حبة وليخلقوا ذرة» فهو في سياق التعجيز لأنّ الحبّة لا حياة فيها والذرة فيها حياة ضعيفة.
وموقع {لو اجتمعوا له} موقع الحال، والواو واو الحال، ولو فيه وصلية.
وقد تقدّم بيان حقيقتها عند قوله: {فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبًا ولو افتدى به} في [سورة آل عمران: 91].
أي لن يستطيعوا ذلك الخلق وهم مفترقون، بل ولو اجتمعوا من مفترق القبائل وتعاونوا على خلق الذباب لن يخلقوه.
والاستنقاذ: مبالغة في الإنقاذ مثل الاستحياء والاستجابة.
وجملة {ضعف الطالب والمطلوب} تذييل وفذلكة للغرض من التمثيل، أي ضعف الداعي والمدعو، إشارة إلى قوله: {إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابًا} الخ، أي ضعفتم أنتم في دعوتهم آلهة وضعفت الأصنام عن صفات الإله.
وهذه الجملة كلام أرسل مثلًا، وذلك من بلاغة الكلام.
{مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74)}.
تذييل للمثل بأن عبادتهم الأصنام مع الله استخفاف بحق إلهيته تعالى إذ أشركوا معه في أعظم الأوصاف أحقر الموصوفين، وإذ استكبروا عند تلاوة آياته تعالى عليهم، وإذ هموا بالبطش برسوله.
والقَدر: العظمة، وفعل قَدر يفيد أنه عامل بقَدره.
فالمعنى: ما عظموه حق تعظيمه إذ أشركوا معه الضعفاء العجز وهو الغالب القوي.
وقد تقدّم تفسيره في قوله: {وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء} في [سورة الأنعام: 91].
وجملة {إن الله لقوي عزيز} تعليل لمضمون الجملة قبلها، فإن ما أشركوهم مع الله في العبادة كل ضعيف ذليل فما قدروه حق قدره لأنه قوي عزيز فكيف يشاركه الضعيف الذليل.
والعدول عن أن يقال: ما قَدرتم الله حقّ قدره، إلى أسلوب الغيبة، التفات تعريضًا بهم بأنّهم ليسوا أهلًا للمخاطبة توبيخًا لهم، وبذلك يندمج في قوله: {إن الله لقوي عزيز} تهديد لهم بأنه ينتقم منهم على وقاحتهم.
وتوكيد الجملة بحرف التوكيد ولام الابتداء مع أن مضمونها مما لا يختلف فيه لتنزيل علمهم بذلك منزلة الإنكار لأنهم لم يَجروا على موجَب العلم حين أشركوا مع القوي العزيز ضعفاء أذلة.
والقويّ: من أسمائه تعالى. وهو مستعمل في القدرة على كلّ مراد له.
والعزيز: من أسمائه، وهو بمعنى: الغالب لكلّ معاند. اهـ.